تعتبر صناعة التأمين صناعة جاذبة لعمليات غسل الأموال، فعلى سبيل المثال في الولايات المتحدة تعتبر وثائق التأمين على الحياة من الطرق المفضلة لتجار المخدرات لغسل أموالهم، مما يستوجب بذل العناية الكافية من شركات التأمين و إعادة التأمين والوسطاء في مكافحة غسل الأموال التزاماً بالقوانين واللوائح الرقابية و حفاظا على سمعة الصناعة.
وتأتي جاذبية صناعة التأمين لغاسلي الأموال من بعض الخصائص الهامة لها وهي:
تعقد المنتجات التأمينية خاصة بعض منتجات تأمينات الأشخاص وتكوين الأموال لتداخل عمليات الاستثمار مع التغطيات التأمينية وبعض فروع التأمين كالتأمين البحري بحيث مما يسهل للخبراء إمكانية الاحتيال أو الاستخدام غير القانوني للمنتجات.
كما أن وجود عمليات إعادة التأمين والتي تتسم بالتعقد والتنوع وعدم النمطية وتجري عبر عدة دول خاضعة لتشريعات وأطر قانونية مختلفة، وأيضًا بعض معيدي التأمين يوجدون في دول الملاذ المالي حيث تضعف عمليات الرقابة على التأمين بما في ذلك مقتضيات الالتزام ومكافحة غسل الأموال.
كما تباع نسبة ملموسة من منتجات التأمين عبر الوسطاء، الأمر الذي يضعف قدرة شركات التأمين في كثير من الأحيان على الحصول على معلومات كاملة عن العميل وهو ما يعرف بمشكلة عدم تماثل المعلومات Information asymmetry problem ، كما قد يشترك بعض الوسطاء أو موظفي شركة التأمين في عملية غسل الأموال عن عمد.
* غسل الأموال في مجال تأمينات الأشخاص وتكوين الأموال:
أولا: استخدام الوثائق وحيدة القسط Single premium:
– تتضمن هذه الطريقة وضع الأموال في وثيقة تأمين (وحيدة القسط) ذات شق استثماري، وفي مرحلة لاحقه يتم تصفية الوثيقة أو الاقتراض بموجبها وبمجرد الحصول على شيك أو تحويل مصرفي من شركة التأمين تصبح الأموال ذات مصدر رسمي ، وبالرغم من أن المؤمن عليه (غاسل الأموال) يتحمل خسارة تصفية الوثيقة خلال فترة قصيرة إلا أن هذا يعد مقابل أو ثمن إضفاء المشروعية على تلك الأموال.
ثانيًا: تعلية قيمة الوثائق تدريجيا Top-ups:
– يقوم غاسل الأموال بإصدار وثيقة تأمين بقسط منخفض لعدم لفت نظر الجهات الرقابية أو مسئولي الالتزام بشركات التأمين، ثم يقوم بزيادة قيمة القسط تدريجيا ، أو ضخ أموال بالوثيقة Policy Booster ومن ثم تصفية الوثيقة بقيمة مرتفعة دون لفت الأنظار.
ثالثًا: وثائق تأمين السوق الثانوية Second – hand life assurance policies :
– من المسموح به في كثير من الدول تغيير المستفيد من الوثيقة لأي شخص، وهنا يلجأ غاسل الأموال إلى شراء وثيقة تأمين من شخص مسن (وغالبا ليس له ورثة أو في حاجة إلي أموال) ، وينتظر وفاته ومن ثم صرف قيمة منفعة الوثيقة لغاسل الأموال (مالك الوثيقة Policy owner)
رابعًا: استخدام وثيقة التأمين كضمان للديون:
– يلجأ بعض غاسلو الأموال إلى إبرام وثيقة تأمين أو عدة وثائق تأمين حياة، ثم استخدامها كضمان للدين، وبالتالي يمكن الحصول على أموال مشروعة من البنوك (بتدقيق أقل من القروض دون ضمان)، ثم استخدام هذه الأموال في شراء أصول وإعادة سداد الدين من أموال غير مشروعة وكأنها عائد تلك الأصول.
خامسًا: إلغاء الوثيقة خلال فترة السماح cancellation Cooling-off period:
– تعرف فترة السماح Cooling-off periods بأنها الفترة التي يمكن الغاء الشراء خلالها دون تكلفة أو خصم من الوثيقة وتضمنها معظم التشريعات لإعطاء المؤمن له فرصة لتفحص المنتج واكتشاف إي عملية بيع خاطئ أو تأثير غير مرغوب خلال عملية البيع، وعند شراء وثيقة تأمين والغائها خلال تلك الفترة يسترد غاسل الأموال قيمة القسط بشيك من شركة تأمين مما يضفي قانونية على هذا المبلغ.
سادسًا: غسل الأموال في مجال تأمينات الممتلكات والمسئوليات:
يرتبط غسل الأموال في تأمين الممتلكات والمسئوليات بالاحتيال فمن الأساليب الشائعة التي يتبعها غاسلو الأموال التعويضات الاحتيالية Fraudulent Claims/ bogus claims للحصول على أموال من شركة تأمين ومن أمثلة ذلك ما يلي: –
– إبرام عقد تأمين أو تعديله بناء على بيانات خاطئة أو إخفاء بيانات
– تضخيم قيمة مطالبة حقيقية
– تقديم مطالبة تتعلق بحادث وهمي
– تقديم مطالبة تتعلق بحادث عمدي مدبر
– الحصول على أي منافع من العقد دون وجه حق
فعلى سبيل المثال يمكن تأمين بضائع وهمية بموجب مستندات مزورة ثم ادعاء سرقتها أثناء النقل البحري أو البري أو خلال تخزينها بالمخازن ومن ثم الحصول على أموال تبدو مشروعة من شركة تأمين.
وكذلك إبرام وثيقة ثم إلغائها والحصول على جزء من القسط بموجب شيك أو تحويل مصرفي ، أو السداد الزائد Overpayment للأقساط والادعاء أن هذا تم عن طريق الخطأ لاسترداد السداد الزائد بشيك أو تحويل مصرفي.
سابعًا: مؤشرات هامة لاكتشاف غسل الأموال:
هناك عدد من المؤشرات التحذيرية الهامة Red Flags الواجب أخذها في الاعتبار من قبل مسئولي مكافحة غسل الأموال بالشركات ومن الواجب التنويه إلى أن هذه المؤشرات لا يمكن اعتبارها دليلاً في حد ذاتها ولكنها تعطي تحذير بمزيد من الفحص والتدقيق ومن أهمها :
– محاولة العميل إصدار وثيقة تأمين خارج حدود دولة إقامته دون سبب واضح.
– طلب تأمين يقع خارج النطاق المعهود لطبيعة أعمال المؤمن له.- وجود وسيط تأمين أو إعادة تأمين من أحدي الدول التي تشتهر بضعف أو تراخي أعمال الأشراف والرقابة على الدول المشهورة بعمليات غسل الأموال أو معدلات الجرائم المالية المرتفعة.
– تراخي أو مماطلة العميل أو الوسيط في تقديم البيانات والحقائق الجوهرية المطلوبة لإتمام العقد.
– قبول المؤمن له بشروط تعسفية أو لا تناسب طبيعة الخطر المؤمن منه والاستعجال الشديد في إبرام العقد وسداد الأقساط.
– سداد الأقساط من حسابات خارج دولة أبرام الوثيقة دون سبب واضح.
– وثائق تأمين بمبالغ أو أقساط تفوق قدرات العميل المالية.
– وثائق تأمين بمبالغ أو تغطيات تفوق احتياجات العميل التأمينية.
– تحديد طرف ثالث مستفيد من الوثيقة دون وجود علاقة مباشرة ومبررة (عدا في تأمين المسئولية المدنية).
– السداد من خلال حسابات لغير المؤمن له أو استخدام شيكات مظهرة من طرف ثالث دون وجود علاقة واضحة.
– محاولة المؤمن له السداد نقداً خاصة في المعاملات التي يتم اتمامها عادة بشيكات أو تحويلات بنكية.
– الإلغاء غير المبرر في تأمينات الممتلكات والمسئوليات و الإلغاء المبكر في تأمينات الأشخاص وتكوين الأموال.
– تعدد الوثائق دون مبرر ولدي شركات تأمين مختلفة خاصة إذا ما كانت تفوق احتياجات المؤمن له أو مقدرته المالية.
– رغبة المؤمن له في الاقتراض الحد الأقصى المتاح بضمان وثيقة (لاسيما ذات قسط وحيد) بعد أبرام الوثيقة بفترة قصيرة.
– وجود تساؤلات افتراضية من قِبل العميل أو الوسيط قبل حدوث الحادث تتطابق مع الحادث محل المطالبة.
– زيادة مفاجئة في مبلغ التأمين قبل الخسارة بوقت قصير (خاصة المخزون).
– وقوع الحادث بعد بدء سريان مدة التامين، أو قبل انتهاء مدة الوثيقة بفترة قصيرة (معظم المطالبات الاحتيالية تحدث خلال الستة أشهر الأولى من عمر الوثيقة).
– في أثناء التفاوض بشأن المطالبة، يكون المؤمَّن له مُصِرَاً على التعويض بمبلغ كبير، ولكن بعد فترة من التحقيق يقبل بمبلغ منخفِض جداً.
ثامنًا: التجربة المصرية في الالتزام بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب:
أولت جمهورية مصر العربية، اهتماما كبيراً بمجال مكافحة جريمة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، حيث تجلى ذلك بتنظيم بيئة تشريعية ملائمة من خلال إصدار قانون مكافحة غسل الأموال رقم (80) لسنة 2002 ، وإصدار قانون مكافحة الإرهاب رقم (94) لسنة 2015 وما تبعه من قوانين أخرى في شأن تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين.
تاسعًا: جهود الهيئة العامة للرقابة المالية في مكافحة غسل الأموال:
أصدر محلس إدارة الهيئة العامة للرقابة المالية قرار رقم 2 لسنة 2021 و الذي يتضمن عددا من الضوابط الرقابية الجديدة المرتبطة بمجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب للجهات العاملة في مجال الأنشطة المالية غير المصرفية. و يحل القرار محل القرارات السابق إصدارها بشأن نفس الضوابط.
وتناول القرار النواحي التالية:
– تحديد السجلات و المستندات الواجب الاحتفاظ بها ، والشروط الواجب اتباعها عند الاحتفاظ بتلك السجلات و المستندات.
– المؤشرات الاسترشادية للتعرف على العمليات المشتبه بها.
– إجراءات الإخطار عن العمليات المشتبه بها.
– التدريب في مجال مكافحة الإرهاب و غسل الأموال.
– التزامات مسئول المراجعة الداخلية.
وقد نظمت الهيئة العامة للرقابة المالية في أغسطس 2021 احتفالية بمناسبة الانتهاء من عملية تقييم النظم المطبقة لدى مصر في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار الأسلحة، والتي قام بها خبراء من مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا MENAFATF التي تتمتع مصر بعضويتها، والإعلان رسميا عن اعتماد عملية تقييم التقرير التفصيلي لالتزام الدولة المصرية بكافة أوجه تنفيذ المعايير الدولية في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح .
وقد أظهر التقرير المستوى المرتفع من التزام جمهورية مصر العربية من حيث اتساق قوانينها وإجراءاتها ولوائحها بالمعايير الدولية في هذا الخصوص، و أشار التقرير إلى أن مص تمتلك نظاماً قانونياً متسقاً مع توصيات مجموعة العمل المالي ، وقد قام بذلك العبء الوطنى وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب باعتبارها الجهة التنسيقية الوطنية لعملية التقييم والتي استغرقت وقتاً طويلاً، حيث حرصت الوحدة على التواصل الفعال بين كافة الجهات المعنية بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وفى مقدمتهم الهيئة العامة للرقابة المالية.
عاشراً: رأي الاتحاد المصري للتأمين:
مما لاشك فيه أن شركات التأمين لابد أن تولي عناية خاصة لما بات يعرف بـ” اعرف عميلك Know your customer (KYC) و بذل العناية الواجبة نحو معرفة العملاء Customer due diligence سواء العادية أم المتقدمة ا Simplified / Enhanced due diligence في الحالات التي تظهر فيها المؤشرات الهامة السابق الإشارة اليها ، وكذلك ما تمليه القوانين والاتفاقيات الدولية من التدقيق المتقدم في حالة الشخصيات السياسية البارزة Politically exposed person (PEP)
ويؤكد الاتحاد على المخاطر التي تترتب على عدم الالتزام بالقوانين واللوائح الرقابية في هذا الصدد وهي:
– مخاطر السمعة Reputational Risk
– مخاطر عدم الالتزام Non-compliance risk
– مخاطر تسرب المطالبات (الدفع الزائد غير المبرر) Claims leakage
– الخسائر المالية Financial losses
كما يؤكد الاتحاد على ضرورة تدريب وإعداد الكوادر اللازمة للقيام بعمليات مكافحة غسل الأموال وفقاً لأرفع المعايير العالمية المتعارف عليها في هذا الصدد.