ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا مع تصاعد التوتر بين روسيا والغرب، بعدما أمرت موسكو قواتها بدخول منطقتين انفصاليتين في شرق أوكرانيا، في الوقت الذي تستعد فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها في الاتحاد الأوروبي لإعلان عقوبات جديدة على روسيا، مما قد يؤثر على تدفق الغاز الروسي إلى أوروبا.
وتعتمد أوروبا أكثر من 560 مليار متر مكعب غاز طبيعي سنوياً، وتعتمد على روسيا في توفير نحو 40% من الغاز الطبيعي الذي يأتيها معظمه عبر خطوط أنابيب، منها “يامال-أوروبا” الذي يعبر روسيا البيضاء وبولندا إلى ألمانيا، و”نورد ستريم 1″ الذي يذهب مباشرة إلى ألمانيا مرورا بأوكرانيا.
وترتبط أسواق الغاز في أوروبا بشبكة من خطوط الأنابيب. وقطعت معظم الدول الاعتماد على الغاز الروسي على مر السنين، وهناك أيضا المزيد من طرق الإمداد التي لا تمر بأوكرانيا، كما أن أوكرانيا صارت إلى حد بعيد ممر عبور للغاز المتجه إلى سلوفاكيا؛ ومنها إلى النمسا وإيطاليا خلال العام الماضي.
وأعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، عن فرض حزمة أولى من العقوبات على روسيا ردا على اعترافها باستقلال منطقتين انفصاليتين شرقي أوكرانيا، قائلاً إن فرض العقوبات جاء بتنسيق مع حلفاء وأصدقاء أمريكا في العالم، مشددا على أن ما قامت به روسيا يعد “انتهاكا خطيرا” للقانون الدولي ويستلزم ردا قويا من جانب المجتمع الدولي.
كما حذر الرئيس الأمريكي من أن هذه الخطوة من جانب روسيا تمثل بداية “غزو عسكري” لجارتها أوكرانيا، مؤكدا أن العقوبات ستشمل مصرفين روسيين ومسؤولين بارزين روس، بالإضافة إلى فرض إجراءات لقطع أجزاء من الاقتصاد الروسي عن النظام المالي العالمي.
وقال محللون بمعهد أكسفورد لدراسات الطاقة، إن الاحتمالات الأخرى هي أن تعلق روسيا مبيعات الغاز لأوروبا ردا على العقوبات أو أن يتسبب الصراع العسكري في أضرار بأحد خطوط الأنابيب التي تمر عبر أوكرانيا لنقل الغاز إلى أوروبا.
بعض البلدان لديها خيارات أخرى، فعلى سبيل المثال، يمكن لألمانيا، أكبر مستهلك للغاز الروسي، الاستيراد من النرويج وهولندا وبريطانيا والدنمارك عبر خطوط الأنابيب، إلا أن رئيس وزراء النرويج، ثاني أكبر مورد لأوروبا، قال إن بلاده تشحن الغاز الطبيعي بأقصى طاقتها ولا يمكنها تعويض أي إمدادات تُفقد من روسيا.
ويمكن لدول جنوب أوروبا استقبال الغاز من أذربيجان عبر خط الأنابيب العابر للبحر الأدرياتيكي إلى إيطاليا وخط أنابيب الغاز الطبيعي العابر للأناضول من خلال تركيا، كما أنه بإمكان الدول المجاورة نقل الغاز عبر الروابط البينية، لكن ربما لا يكون بعض الدول مستعدة للتخلي عن الغاز الذي قد تحتاجه، وحينئذ سيتعين على المستوردين دفع ثمن باهظ.
وقال محللون لدى باركليز إن تعويض ما يتراوح بين 150 و190 مليار متر مكعب سنويا من الغاز الروسي إلى الاتحاد الأوروبي لا يمكن تحقيقه على المدى القصير، مضيفين أن شحنات الغاز الروسي الشتوي إلى الاتحاد الأوروبي ستبلغ حوالي 48 مليار متر مكعب بمعدلات التشغيل الحالية، بانخفاض 30% على أساس سنوي، وأنه إذا ظلت التدفقات الروسية منخفضة، فمن المرجح أن يصل مخزون الغاز في الاتحاد الأوروبي في نهاية الموسم إلى مستوى منخفض يبلغ 20 مليار متر مكعب، حتى بعد الطلب الشتوي الضعيف نسبيا والواردات القوية للغاز الطبيعي المسال”.
وقال محللو باركليز “لا نعتقد بأن من المحتمل أن توقف روسيا إمدادات الغاز عن أوروبا. وشحنت روسيا الغاز إلى أوروبا خلال أزمة شبه جزيرة القرم في 2014 و2015 بعد فرض عقوبات مستهدفة ردا على ذلك، وفي ذروة الحرب الباردة”.
وسجلت واردات الغاز الطبيعي المسال إلى شمال غرب أوروبا، وخصوصا من الولايات المتحدة، رقما قياسيا بلغ نحو 11 مليار متر مكعب في يناير، لكن محطات الغاز الطبيعي المسال في أوروبا لديها قدرة محدودة على استيعاب إمدادات إضافية في حالة تعطل الغاز من روسيا.
وقالت قطر، أحد أكبر منتجي الغاز الطبيعي المسال في العالم، إنه ليس لديها، أو لدى أي دولة أخرى، القدرة على تعويض إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا من الغاز الطبيعي المسال لأن معظم الكميات مرتبطة بعقود طويلة الأجل وبشروط وجهات واضحة.
فيما تجري مصر محادثات مع الاتحاد الأوروبي بشأن زيادة إمدادات الغاز الطبيعي إلى أوروبا، والتقت مفوضة الاتحاد الأوروبي لشؤون الطاقة والمناخ كادري سيمسون بوزير البترول طارق الملا مؤخراً لمناقشة العلاقات في مجال الطاقة بما في ذلك فرص التعاون في مجال الغاز الطبيعي المسال على المدى القصير والمتوسط”، واصفة مصر بأنها “شريك رئيسي” للاتحاد الأوروبي.
وقالت وزارة البترول إن الاجتماع تضمن مناقشة دور مصر في إمداد أوروبا بالغاز والتطورات الأخيرة في أسواق الطاقة العالمية، مضيفًا أن محطات تصدير الغاز الطبيعي المسال في مصر تعمل بكامل طاقتها وتصدر ما يعادل 1.6 مليار قدم مكعبة في اليوم.