كشفت دراسة جيدة عن تأثير التغيرات المناخية على الإنتاج الزراعي بجنوب الوادي وما يتبع ذلك من مشكلات الغذاء التي تواجه العالم، فالتغيرات المناخية ستجبر البشرية على تغيير ميعاد الزراعة ومواقيتها، وتبرز في هذا الإطار عدة تساؤلات منها: كيف يزرع الإنسان وسط الاحتباس الحراري وتقلبات المناخ ؟، كيف ينتج قصب السكر والطماطم والقمح والأرز؟، كيف يكون شكل العالم الذي تغرق فيه بعض المدن بسبب ارتفاع درجة الحرارة؟، هذا ما ترصده الدراسة.
يُعرف تغير المناخ بأنه تغير ملموس وطويل المدى في حالة الطقس، وتؤكد السجلات المناخية العالمية بما تحتويه من أدلة وشواهد على حدوث زيادة مطردة في درجات الحرارة خلال القرن العشرين بمقدار 6و0 درجة مئوية، وإلى ارتفاع درجة الحرارة بمعدل 5و1 درجة مئوية خلال الثلاثين الأخيرة، مع ارتفاع أمواج البحر.
– لمستخدمي جوجل بلاي.. حمل تطبيق “القرار” ليصلك كل جديد أولاً بأول
– لمستخدمي أبل ستور.. حمل تطبيق “القرار” ليصلك كل جديد
وتشير الدراسات إلى ارتفاع منسوب البحر بمعدل 1و3 ملم سنويا منذ عام 1993م بسبب ذوبان الجليد، فضلا عن تغير معدلات سقوط الأمطار حيث أصيبت بعض المناطق بالجفاف، وتعرضت مناطق آخري لسيول وفيضانات جارفة ، وشيوع العواصف، مع اختفاء مدن تحت أمواج البحر ما لم تتم إجراءات استباقية.
يقول الدكتور محمد سيد حسن من قسم المحاصيل الزراعية بكلية الزراعة في قنا في دراسته، إنه من المتوقع أن تكون مصر من الدول الأكثر تضررا من الآثار السلبية للتغيرات المناخية، كما أن قطاع الزراعة يعد واحد من أكثر القطاعات التي سوف تتأثر سلبا بالظاهرة.
وأكد أن العلماء يتفقون أن المتسبب الأول في حدوث ظاهرة الاحتباس الحراري هو النشاط البشري من خلال الثورة الصناعية والتكنولوجية التي أدت إلى زيادة معدلات انبعاث غازات الاحتباس الحراري وزيادة تركزها في الغلاف الجوى، مما أدى إلى زيادة الاحترار العالمي وارتفاع حرارة الأرض عن معدلاتها الطبيعية وحدوث تغير المناخ.
وتنقلنا الدراسة إلى تاريخ وبداية الاهتمام بظاهرة الاحتباس الحراري، حيث بدأ الاهتمام الدولي بعقد أول مؤتمر في جنيف بدعوة من المنظمة الدولية للمدن في عام 1979م ضم خبراء البيئة حيث تم التحذير من التغير المناخي ، ثم استضافت مدينة تورنتو الكندية في عام 1988م علماء وممثلين حكوميين لأخذ التدابير اللازمة للحماية من الآثار الضارة للتغيرات المناخية.
أما في عام 1992م فقد استضافت مدينة ريو دى جانيرو البرازيلية قمة الأرض التي تعهدت فيها الدول الصناعية بخفض مستويات الانبعاث الحراري بحلول عام 2000م، دون إلزام من خلال إقرار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للمناخ، وفي عام 1997م فقد تم إقرار اتفاق كيوتو الذي حدد مستويات الانبعاث وهو انبعاث عام 1990م كأساس مرجعي لخفض معدل الانبعاثات وهو اتفاق ملزم صدقت عليه 191 دولة مع انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية.
وتعاقبت بعد ذلك الاجتماعات حيث عقد مؤتمر المناخ في مدينة كانون بالمكسيك عام 2010م، والذي شهد إنشاء صندوق حماية البيئة وتحديد الحد الأقصى للارتفاع في درجة الحرارة بأقل من درجتين، ثم عقدت في الدوحة قمة المناخ عام 2012م ، ثم جاء مؤتمر باريس للمناخ عام 2015م، حيث تم الاتفاق على إلزام الدول الصناعية بخفض انبعاثات 6 غازات بمعدل 5%.
كما أن قمة المناخ الأخيرة التي انعقدت منذ عدة أيام في جلاسكو؛ أشارت أن ارتفاع درجة الحرارة يؤدي إلى زيادة استهلاك في الماء، وتشير التوقعات إلى تأثر الموارد المائية سلبا كنتيجة للانخفاض في معدل تدفق مياه نهر النيل؛ نظرا لتغير أحزمة تساقط الأمطار على دول المنابع، مما سيؤدى لنقص المياه.
وفيما يخص المياه الجوفية المعتمدة على رشح النيل في الدلتا سوف تتعرض للنقص وتشير التوقعات نقص الأمطار الساحلية في الشمال بينما تزداد كمية الأمطار في الصعيد، وبالأخص على سلاسل البحر الأحمر بالإضافة لسيناء، وهذا النقص يقتضى إعادة النظر في زراعات مثل قصب السكر الذي يُزرع في الصعيد منذ العصر الأموي حتى الآن ، حيث تشير الدراسات أن الاحتباس الحراري سيؤدى إلى نقص في إنتاجية قصب السكر بنسبة تصل لنحو 5و24 % نتيجة التغيرات المناخية.
ويؤدى الاحتباس الحراري لنقص إنتاج القمح بنسبة 15 % حتى حلول عام 2050م ، ونقصا في الذرة الشامية بنسبة 11 %، والأرز بنسبة 14 %، وكذلك تقل إنتاجية البطاطس والفول الصويا، بينما تزداد إنتاجية محصول القطن بنسبة 17%، وذلك لو ارتفعت درجة الحرارة لنحو درجتين، بل تصل إنتاجية القطن لنحو 31 % لو ارتفعت درجة الحرارة لنحو 4 % ليكون المحصول الزراعي الوحيد المستفاد من الاحتباس الحراري.
بينما تنخفض نسبة إنتاج الشعير لنحو 18 % لو ارتفعت درجة الحرارة درجتين، وكذلك انخفاض إنتاجية الطماطم وكذلك عباد الشمس، ومعظم المحاصيل الزراعية ليس نقص المحاصيل الغذائية فقط، بل جودة المحاصيل الزراعية ذاتها التي ستتأثر بتغير المناخ، حيث تشير الدراسة أن حبوب القمح عندما تتم زراعتها في ظل المستويات العالية من ثاني أكسيد الكربون المتوقعة بحلول عام 2050م فهي تحتوى على 9%من الزنك و5 % أقل من الحديد ، و6 % أقل من البروتينيات، بينما تعانى الذرة والأرز من الجودة.
كما تشير التوقعات أنه في ظل الاحتباس الحراري سيزداد الاستهلاك المائي لمحصول القصب بحوالي 3و2 % ، وفى القمح 5و2 % ، والذرة الشامية والرفيعة بنسبة 8 %، وعباد الشمس بنسبة 6% ، والقطن 10 % ، والأرز بنسبة 16%، هذا بالإضافة أن تقلبات المناخ ستؤدى لزيادة الحشرات بصورة كبيرة.
ولكن، كيف نواجه التغيرات المناخية في الزراعة؟، قالت الدراسة إنه للحد من انبعاثات غاز الاحتباس الحراري يوصى برفع كفاءة استخدام الأسمدة للحد من انبعاثات أكاسيد النتروجين، حيث لابد من إضافة الأسمدة بجرعات قليلة وعلى عدة دفعات مع الري مباشرة عقب التسميد حتى لا يتعرض السماد للفقد بفعل الحرارة الزائدة، مع اختيار نوع الأسمدة وتحسين الأسمدة البلدية من الروث الحيواني، كذلك لابد من تحسين زراعة الأرز؛ للحد من انبعاث غاز الميثان واستنباط أصناف جديدة منه، مع الحد من استخدام المبيدات لمكافحة الآفات والحشائش والاعتماد على استخدام المصايد الحيوانية والنباتية، مع الحد من عمليات الحرث لتقليل حرق الوقود من خلال الجرارات الزراعية، مع تجنب حرق المخلفات الزراعية.
وأوصت الدراسة بزراعة أصناف من المحاصيل الزراعية ذات الكفاءة في استهلاك النتروجين ورفع كفاءة شبكات الري لتقليل الفاقد في الري الحديث وليس ري الغمر، والتوجه للري ليلا للمحاصيل وخاصة في محصول قصب السكر لتقليل الفقد بالبخر وتقليل استهلاك المياه ، مع تعديل ميعاد الزراعة، حيث يم تغيير زراعة القمح من 25 نوفمبر إلى 10 ديسمبر، وعباد الشمس من 10 مايو بدلا من 20 يونيو، وكذلك تغيير زراعة قصب السكر من 15 مارس لـ15 فبراير، مع تفعيل ور الإرشاد الزراعي.