تعويم الجنيه:
حرّر البنك المركزي المصري؛ اليوم الأربعاء الموافق 4 يناير 2023، سعر الصرف المحلي، للمرة الثالثة منذ 2016 وحتى الآن، والأولى هذا العام، ليشهد الجنيه المصري عدة قفزات من آخر سعر له أمام الدولار والبالغ 24.77 جنيها، إلى 26.46 جنيها؛ ولم يستقر بعد حيث لازال يشهد ارتفاعات هادئة.
معنى “التعويم”:
قبل كل شيء لابد من شرح معنى مصلح “التعويم”، وهو تحرير سعر الصرف أي تحرير العملة من قيود الحكومة والبنك المركزي، فتصبح آلية العرض والطلب على العملة هي المحدد الرئيسي لسعرها الحقيقي في توقيتات مختلفة مرتبطة بظروف عالمية ومحلية، فيما ينعكس على تعويم العملة المحلية الجنيه انخفاض سعره مقابل العملات الأخرى.
أسباب وأهداف تعويم الجنيه:
الغالبية لا يعرفون عن عملية تعويم الجنيه سوى الآثار السلبية وما يلي تغيير سعر الصرف من غلاء أسعار السلع والأجهزة الكهربائية والمنزلية وغيرها.
لكن في الحقيقة أن الدولة تستهدف أشياء أخرى من وراء تغيير سعر الصرف الذي في الغالب لا يحدث وفقا لهواها، بل إن صندوق النقد الدولي هو المشترط وجود مرونة في أسعار الصرف ضمن شروط قرضه الأخير.
لكن في العموم التعويم يستهدف القضاء على ظاهرة “الدولرة”، والمضاربة على الدولار في السوق السوداء، التي تملك ضعفين الدولارات التي يملكها البنك المركزي المصري حسب مصادر غير رسمية، كما أن تغيير سعر الصرف يستهدف خفض معدلات التضخم التي وصلت إلى مستويات صعبة خلال الأيام الماضية، حيث بلغ ديسمبر الماضي 21.5%، هذا بجانب تحريك المياه بالبورصة المصرية التي شهدت خروج جزء كبير من السيولة خلال الفترات الماضية للمضاربة على الدولار.
أنواع التعويم للجنيه:
هناك نوعان للتعويم عند كل تغيير لسعر الصرف، الأول يسمى “تعويم حر”، والثاني يسمى “تعويم مدار”، التعويم الحر يعني ترك البنك المركزي؛ سعر صرف العملة يتغير حسب العرض والطلب ويتحدد وفقا لهذا، دون أي تدخل من المركزي في تحديد السعر أو وقف تغييره، ويقتصر دوره فقط على سرعة تغير سعر الصرف.
والنوع الثاني، وهو التعويم المدار، وفي هذه الحالة يترك سعر الصرف يتغير وفقا للعرض والطلب، لكن يتدخل البنك المركزي في تعديل قيمة الجنيه مقابل العملات الأخرى بحرية منه، حسب التطورات في أسعار السوق السوداء.
مراحل تعويم الجنيه في مصر منذ 50 عامًا:
- شهدت مصر أول تعويم للجنيه أمام الدولار والعملات الأخرى في عهد الرئيس محمد أنور السادات؛ عام 1977، حينما بدأت مصر تقترض من الخارج، ومع عدم قدرة الدولة على تحرير سعر الموازنة، وضعف تدفق الاستثمارات الخليجية، اضطرت الحكومة لتغيير سعر الصرف من 1.25 جنيه إلى 2.5 جنيه.
- وشهدت مصر مرحلة التعويم الثانية في عهد الرئيس محمد حسني مبارك، إبان حكومة عاطف عبيد، عام 2003، قررت الحكومة التعويم بترك الحرية العملة للعرض والطلب، وارتفع سعر الدولار بعد قرار تغيير سعر الصرف وقتها من 3.40 جنيه إلى 5 جنيهات ونصف، ثم قفز لـ7 جنيهات، واستقر عند الـ6.20 جنيه.
- وجاءت مرحلة التعويم الثالثة في 3 نوفمبر 2016، حيث ترك البنك المركزي المصري حرية تسعيره للمصارف بهدف القضاء على السوق السوداء التي انتعشت خلال تلك الفترة جرّاء الضغوط على الدولار، ووصل وقتها الدولار إلى 14.50 جنيه.
- كما حدث التعويم الرابع في 27 أكتوبر 2022، حين أعلن البنك المركزي عن تغيير سعر الصرف لقيمة الجنيه مقابل العملات الأجنبية الأخرى، وتركها إلى قوى العرض والطلب، فظل يقفز من 15.70 جنيه إلى 19 جنيها، ثم 22 جنيها، حتى استقر عند الـ24.80 جنيها.
- والتعويم الخامس والأخير هو ما حدث اليوم الأربعاء 4 يناير 2023، وتحرك خلاله الجنيه أمام الدولار حتى الآن بمقدر جنيهان، فقفز من 24.80 إلى 26.45 جنيها.
أقرأ أيضًا| 2023.. توقعات بتراجع حاد في نمو التجارة وانكماش ثلث الاقتصاد العالمي.. فإلى…
هل مصر في طريقها للتعويم الكامل؟
من ناحيته، استبعد أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية، الدكتور هاني جنينة، في تصريحات خاصة لـ”القرار“، حدوث تعويم كامل للجنيه المصري، معللاً ذلك باتخاذ الدولة قرار مهم الأسبوع الماضي بإلغاء العمل بالاعتمادات المستندية والعودة إلى نظام التحصيل، مما يدل على استقرار الأوضاع، هذا بجانب ارتفاع الاحتياطي النقدي المصري إلى 34 مليار دولار، بزيادة نحو 500 مليون دولار.
وأشار الخبير الاقتصادي، أبو بكر الديب، في تصريحات خاصة لـ”القرار“، إلى أن الحكومة المصرية لديها سيولة دولارية كافية لمواجهة الأزمات، والدليل حجم الإفراجات التي تقوم بها الدولة للسلع الأساسية والاستراتيجية من الموانئ، وكميات الأعلاف التي خرجت لتحل الأزمة التي كانت تواجهها صناعة الدواجن منذ فترة.