تاريخ الزراعة المائية يعود إلى العصور القديمة، حيث كانت أولى محاولات الزراعة بدون تربة تظهر في حضارات قديمة مثل حضارة بابل في العراق، وحضارة الأزتيك في المكسيك، وكذلك في الصين. كانت هذه الحضارات قد استخدمت أساليب مبتكرة لزراعة النباتات في بيئات غير تقليدية، مثل الحدائق العائمة في الأزتيك أو أساليب الري المعتمد على الماء في بابل. ورغم أن هذه الأساليب لم تكن معروفة حينها كزراعة مائية بالشكل الذي نعرفه اليوم، إلا أنها شكلت الأساس لفكرة الزراعة بدون تربة
القرن السابع عشر – بداية التجارب العلمية في الزراعة المائية
في هذا القرن، بدأ العالم البلجيكي هيلمونت فان جان تجاربه لدراسة تأثير الماء على نمو النباتات، مما شكل الأساس لفهم الزراعة بدون تربة
تظهر أولى التجارب العلمية في الزراعة المائية في القرن السابع عشر، حيث قام العالم البلجيكي هيلمونت فان جان بدراسة تأثير الماء على نمو النباتات، واكتشافه أن النباتات لا تحتاج التربة مباشرة للنمو بل يمكنها الاستفادة من العناصر المغذية التي توجد في المياه. ورغم أن هذه الدراسة لم تكن متطورة بالكامل إلا أنها أسهمت في فتح أبواب التفكير في الزراعة بدون تربة
في منتصف القرن التاسع عشر، حدثت نقلة نوعية في فهمنا للزراعة المائية عندما اكتشف العالمان الألمانيان يوليوس فون ساكس وويلهلم نوب في عام 1842 تسعة عناصر ضرورية لنمو النبات. وكانت هذه الاكتشافات بمثابة الأساس العلمي الذي قام عليه الكثير من التطورات اللاحقة في هذا المجال. واكتشاف هذه العناصر المغذية جعل من الممكن تحديد المركبات الكيميائية التي يمكن إضافتها إلى الماء من أجل ضمان نمو النباتات بشكل صحيح.
عناصر الموضوع
1842فى اكتشاف العناصر الضرورية لنمو النبات
اكتشف العالمان الألمان يوليوس فون ساكس وويلهلم نوب تسعة عناصر ضرورية لنمو النباتات، وهو ما أسهم في تطوير تقنيات الزراعة المائية
خلال الفترة من 1850 إلى 1860، بدأ العالمان في تطوير تقنيات الزراعة المائية بشكل عملي، حيث قاموا بتطوير ما يسمى بتقنية الزراعة المائية العميقة. تعتمد هذه التقنية على ضخ الهواء في محلول غني بالعناصر الغذائية لكي تساهم في تحسين امتصاص النبات لهذه العناصر، وبذلك تزداد كفاءته في النمو دون الحاجة للتربة. وقد كانت هذه الطريقة بداية حقيقية لفهم كيفية توفير البيئة المثالية للنباتات من خلال المحاليل المغذية بدلاً من التربة التقليدية.
1850-1860 – تطوير الزراعة المائية العميقة
خلال هذه الفترة، قام العلماء بتطوير تقنية الزراعة المائية العميقة التي تعتمد على ضخ الهواء في محلول غني بالعناصر الغذائية لتسريع نمو النباتات
في عام 1929، أطلق العالم جيريكي مصطلح الزراعة المائية على هذه التقنية الجديدة، وهو مصطلح مستمد من اللغة اليونانية. ورغم أنه يعتقد أن هذا المصطلح قد أطلق لأول مرة من قبل جيريكي، إلا أن هناك من يعتقد أن العالم الأمريكي سيتشيل هو من قام بتعريف المصطلح في عام 1937 في جامعة كاليفورنيا للتمييز بين الزراعة المائية والزراعة التقليدية التي تعتمد على التربة.
1929 – إطلاق مصطلح “الزراعة المائية”
في عام 1929، أطلق العالم جيريكي مصطلح “الزراعة المائية” على هذه التقنية، التي تهدف إلى زراعة النباتات باستخدام المحاليل المغذية بدلاً من التربة
أما في عام 1938، فقد توصل الباحثان هوجلاند وأرنون إلى تطوير محلول مغذي، والذي أطلق عليه اسم محلول هوجلاند. وقد ساهم هذا المحلول في تحسين تقنيات الزراعة المائية بشكل كبير، واستمر استخدامه مع بعض التعديلات حتى اليوم. وكان هذا المحلول يحتوي على تركيبة من العناصر المغذية التي يمكن أن تذوب في الماء وتغذي النباتات بطريقة أكثر فعالية من الطرق التقليدية. وبهذا المحلول تم تحسين كفاءة الزراعة المائية وتوسيع نطاق استخدامها في مختلف أنحاء العالم.
في الخمسينيات من القرن الماضي، بدأت تقنيات الزراعة المائية بالانتشار في العديد من الدول الغربية، مثل إيطاليا وفرنسا والاتحاد السوفيتي السابق وفلسطين المحتلة. وقد استخدم العديد من المزارعين في هذه الدول تقنيات الزراعة المائية في مساحات محدودة بهدف تحسين الإنتاجية الزراعية، وذلك بسبب الحاجة المتزايدة للحصول على غذاء صحي وآمن دون التأثير على البيئة.
1937 – مصطلح الزراعة المائية ومساهمات سيتشيل
يعتقد البعض أن العالم الأمريكي سيتشيل هو من أطلق مصطلح “الزراعة المائية” في هذا العام للتمييز بينها وبين الزراعة التقليدية
1938 – تطوير محلول هوجلاند المغذي
في هذا العام، توصل الباحثان هوجلاند وأرنون إلى محلول مغذي سمي بمحلول هوجلاند، الذي أصبح أساسًا للزراعة المائية الحديثة
وفي السبعينيات، تركزت الجهود البحثية على الزراعة المائية في مجالات جديدة. قامت وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) بإجراء أبحاث مكثفة على الزراعة بدون تربة ضمن برامج الفضاء الخاصة بها. كانت هذه الأبحاث تهدف إلى تطوير تقنيات زراعية يمكن استخدامها في الفضاء الخارجي حيث تقتصر الموارد على الماء والطاقة. ومن هنا ظهرت تقنية الزراعة الهوائية، والتي تعتمد على تعليق النباتات في الهواء مع توفير العناصر المغذية لها عبر الرذاذ المائي أو المحاليل المغذية، بدلاً من غمر جذورها في الماء أو التربة.
لقد أثبتت الزراعة المائية فوائد عديدة جعلتها واحدة من الحلول المستقبلية المبتكرة لمواجهة التحديات البيئية والغذائية التي يواجهها العالم اليوم. فمع تزايد عدد السكان وتغير المناخ وندرة الأراضي الصالحة للزراعة، أصبح الاعتماد على الزراعة المائية أداة مهمة لتحسين الإنتاجية الزراعية. وهذه التقنية لا تتطلب تربة، مما يقلل من مشاكل التعرية والتلوث البيئي الناتج عن الزراعة التقليدية. كما أن الزراعة المائية توفر كمية أقل من المياه مقارنة بالزراعة التقليدية، مما يجعلها مثالية في المناطق التي تعاني من ندرة المياه.
علاوة على ذلك، توفر الزراعة المائية بيئة مثالية لزراعة العديد من المحاصيل في الأماكن التي لا تصلح فيها الزراعة التقليدية. فيمكن زراعة المحاصيل داخل المدن أو في المناطق الصحراوية باستخدام تقنيات الزراعة المائية، مما يساهم في تعزيز الأمن الغذائي وتقليل الاعتماد على الطرق التقليدية التي تضر بالبيئة.
الخمسينيات – انتشار الزراعة المائية في عدة دول
في الخمسينيات من القرن العشرين، بدأت تقنيات الزراعة المائية في الانتشار في العديد من الدول مثل إيطاليا وفرنسا والاتحاد السوفيتي وفلسطين المحتلة
السبعينيات – أبحاث وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا”
في السبعينيات، بدأت وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” أبحاثًا مكثفة على الزراعة المائية ضمن برامج الفضاء، حيث طورت نظام “الزراعة الهوائية” لمواكبة احتياجات الفضاء
الزراعة المائية اليوم أصبحت تقنية رائدة في العالم، لا تقتصر فقط على الأبحاث الفضائية بل دخلت في استخدامات تجارية وزراعية واسعة في العديد من البلدان. ويستمر البحث والتطوير في تحسين هذه التقنية من خلال إضافة أنظمة جديدة مثل الزراعة المائية المغلقة، التي تتيح إعادة تدوير المياه والعناصر المغذية بشكل مستمر، مما يجعلها أكثر كفاءة وأقل تكلفة في استخدام الموارد.
إن الزراعة المائية تمثل خطوة كبيرة نحو تغيير الطريقة التي نزرع بها غذاءنا، حيث تساهم في حماية البيئة وتحسين الإنتاجية الزراعية في الوقت نفسه. ومع تقدم البحث العلمي في هذا المجال، من المتوقع أن تصبح الزراعة المائية هي الأسلوب السائد في المستقبل لتحقيق الأمن الغذائي العالمي وتلبية احتياجات السكان المتزايدة دون التأثير على الموارد الطبيعية.