وضع البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية خارطة طريق ورؤية استراتيجية واضحة المعالم، لمرحلة ما بعد نجاح المرحلة الأولى من برنامج الإصلاح الاقتصادي الشامل، وكيفية التعامل مع تداعيات انتشار جائحة كورونا، وما فرضته من تحديات محلياً وعالمياً.
ويستهدف البرنامج للمرة الأولى القطاعات الحقيقية الواعدة بإصلاحات هيكلية جذرية، بهدف زيادة مرونة الاقتصاد المصري، ورفع قدرته على امتصاص الصدمات الخارجية والداخلية، وتحويل مساره إلى اقتصاد إنتاجي يتمتع بمزايا تنافسية، بما يدعم قدرته على تحقيق النمو المتوازن والمستدام، خاصة وأن برنامج إصلاح السياسات النقدية والمالية لابد أن يستتبعه مجموعة من الإصلاحات الهيكلية، مع الوضع في الاعتبار عدم وجود أعباء إضافية يتحملها المواطن المصري.
وفي هذا الصدد، نشر المركز الإعلامي لمجلس الوزراء، تقريراً شمل إنفوجرافات تسلط الضوء على إطلاق الحكومة البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية بفضل نجاح المرحلة الأولى من برنامج الإصلاح الاقتصادي الشامل، وذلك دون تحميل المواطن أي أعباء جديدة.
وأوضح التقرير، أن الإصلاح الاقتصادي يشتمل على كل من الإصلاح النقدي الذي يركز على إصلاح السياسات النقدية ومنها ضبط سعر الصرف وسعر الفائدة واحتواء معدلات التضخم، والإصلاح المالي الذي يركز على ضبط السياسة المالية عن طريق تخفيض العجز الكلي وضبط النفقات وتعظيم الإيرادات.
ويركز الإصلاح الهيكلي على تحديد القطاعات الأكثر مساهمة في نمو الاقتصاد والتي تتمتع بمزايا تنافسية، بهدف تحقيق نمو مستدام ومتنوع قادر على امتصاص أي صدمات مفاجئة يتعرض لها.
واستعرض التقرير الوضع الاقتصادي في مصر قبل البدء في عملية الإصلاح الاقتصادي، والتي اتسمت بنمو منخفض مصحوب ببطالة مرتفعة، بالإضافة لوجود خلل في ميزان المدفوعات يتمثل في سعر صرف مبالغ في تقييمه ونقص العملة الأجنبية، وعجز بالموازنة العامة الذي أدى إلى تصاعد الدين العام.
وأبرز التقرير مراحل الإصلاح الاقتصادي، حيث ارتكزت المرحلة الأولى “الإصلاح المالي والنقدي” على تشجيع النمو بقيادة القطاع الخاص، وإعادة بناء الاحتياطيات الدولية، إلى جانب تخفيض عجز الموازنة إلى خانة الآحاد وتعزيز الموارد العامة.
وأضاف التقرير أن المرحلة الثانية “الإصلاح الهيكلي” تستهدف التركيز على مكتسبات الإصلاح الاقتصادي وتعزيز مرونة الاقتصاد المصري، بالإضافة إلى تعزيز الحماية الاجتماعية وإعطاء الصبغة الاجتماعية الاهتمام الأكبر من خلال إصلاح منظومة الدعم، وكذلك التركيز على شعور المواطن بثمار الإصلاحات الاقتصادية التي أجريت في المرحلة الأولى.
وأشار التقرير إلى أنه قد تم إطلاق البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية في أبريل 2021، على أن يتم تنفيذه خلال الـ 3 سنوات القادمة، والذي يستهدف للمرة الأولى القطاع الحقيقي بإصلاحات هيكلية جذرية وهادفة.
ولفت التقرير، إلى أن هذه الإصلاحات تساهم في زيادة مرونة الاقتصاد المصري بالاعتماد على القطاعات المختلفة، ورفع قدرته على امتصاص الصدمات الخارجية والداخلية، فضلاً عن تحويل مساره إلى اقتصاد إنتاجي يتمتع بمزايا تنافسية.
ورصد التقرير المحاور الداعمة للإصلاحات الهيكلية، والتي تتمثل في رفع كفاءة سوق العمل وتطوير منظومة التعليم الفني والتدريب المهني، بالإضافة إلى تحسين بيئة الأعمال وتنمية دور القطاع الخاص، فضلاً عن رفع كفاءة المؤسسات العامة بالتحول الرقمي والحوكمة.
واستكمالاً للمحاور السابقة، أشار التقرير إلى تعزيز الشمول المالي وإتاحة التمويل، إلى جانب تنويع الهيكل الإنتاجي للاقتصاد المصري، وتنمية رأس المال البشري المتمثل في (التعليم، الصحة، الحماية الاجتماعية).
وكشف التقرير عن أن نجاح مصر في تحقيق طفرة في أداء المؤشرات الاقتصادية دفعها لإطلاق المرحلة الثانية من البرنامج، لافتاً إلى استمرار تحقيق مصر نمواً اقتصادياً بالرغم من أزمة كورونا ليسجل 1.4% في النصف الأول من عام 2020/2021، والذي كان قد بلغ 3.7% في النصف الأول من عام 2016/2017.
وأشار التقرير إلى تحقيق فائض أولي بدلاً من عجز أولي في الموازنة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، مسجلاً 0,4% في الفترة من يوليو 2020 حتى مارس 2021 مقارنةً بـ -1.2% في الفترة من يوليو 2016 حتى مارس 2017، بالإضافة إلى انخفاض عجز الموازنة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي ليبلغ 5,4% في الفترة من يوليو 2020 حتى مارس 2021، مقابل 7,9% في الفترة من يوليو 2016 حتى مارس 2017.
كما انخفض معدل البطالة في الربع الأول عام 2021 مسجلاً 7.4% مقارنة بـ 12% في الربع ذاته عام 2017، وكذلك انخفض الدين الخارجي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي حيث سجل 34% في الربع الثاني عام 2020/2021 مقارنة بـ 37.6% بنفس الربع عام 2016/2017.
وورد في التقرير أن الدولة نجحت في السيطرة على الضغوط التضخمية، لتسجل 4.1% في أبريل 2021 مقارنة بـ 31.5% في أبريل 2017، في حين ارتفع صافي الاحتياطيات الدولية مسجلاً نحو 40.3 مليار دولار في أبريل 2021، مقابل 28.6 مليار دولار في أبريل 2017، بينما تراجع سعر صرف الدولار أمام الجنيه ليسجل 15.6 جنيه بنهاية أبريل 2021 مقارنة بـ 18 جنيهاً بنهاية أبريل 2017.
وتناول التقرير الحديث عن أبرز مستهدفات مؤشرات الاقتصاد الكلي لبرنامج الإصلاحات الهيكلية، والتي تتمثل في رفع معدل النمو الاقتصادي ليتراوح ما بين 6% لـ 7% عام 2023/2024 مقابل 3.6% عام 2019/2020.
كما يستهدف زيادة نسبة مساهمة قطاعات الصناعة والزراعة والاتصالات في الناتج المحلي الإجمالي ليسجل ما بين 30% لـ 35% عام 2023/2024 مقارنة بـ 26% عام 2019/2020، وكذلك تحويل ميزان المدفوعات من عجز إلى فائض ليحقق فائضاً يتراوح ما بين 3 لـ 5 مليار دولار عام 2023/2024 مقابل تسجيل عجز بنحو 8.6 مليار دولار عام 2019/2020.
وإلى جانب ما سبق، فإنه من المستهدف خفض دين أجهزة الموازنة العامة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي ليسجل 84.5% عام 2023/2024 مقابل 87.5% عام 2019/2020، فضلاً عن زيادة الفائض الأولي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي ليسجل 2% عام 2023/2024 مقارنة بـ 1.8% عام 2019/2020.
وأيضاً، تشمل مستهدفات برنامج الإصلاحات الهيكلية، خفض العجز الكلي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي ليصل إلى 5.5% عام 2023/2024، مقابل 8% عام2019/2020.
وعلى صعيد الأهداف الاستراتيجية لقطاع الزراعة في برنامج الإصلاحات الهيكلية، أشار التقرير إلى استمرار نمو مؤشرات هذا القطاع، حيث يستهدف البرنامج زيادة نسبة مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي لتصل إلى 12% عام 2023/2024 مقابل 11.3% عام 2019/2020، بنسبة زيادة مستهدفة في حجم الإنتاج الزراعي تصل لـ30%.
ومن المستهدف أيضاً، زيادة حصة القطاع الزراعي من إجمالي الصادرات لتبلغ 25% عام 2024 بدلاً من 17% عام 2020، فضلاً عن تحسن ترتيب مصر في مؤشر الأمن الغذائي العالمي لتحتل المركز الـ 50 عام 2024 بدلاً من المركز الـ 60 عام 2020.
ونوه التقرير إلى أنه من المستهدف توفير من 430 إلى 530 ألف فرصة عمل جديدة وتحسين دخول صغار المزارعين بحلول عام 2024.
وأفاد التقرير بأن ركائز البرنامج بقطاع الزراعة تقوم على تعظيم الجهود في مجال الحفاظ على الموارد بجميع أنواعها، وكذلك اتباع الإجراءات المتعلقة بتحقيق الكفاءة في استخدام المياه وضمان الأمن المائي، فضلاً عن تقليل نسبة الفاقد من الإنتاج الزراعي خلال مراحل الإنتاج المختلفة بدءً من توقيت زراعة المحصول وأسلوب الزراعة ونوعية التقاوي وحتى فترة الحصاد.
ووفقاً للتقرير، فإن الإصلاح التشريعي للقطاع الزراعي يستند إلى إعادة هيكلة التعاونيات وتعديل قانون التعاونيات رقم 122 لسنة 1980، بما يضمن تعظيم الخدمات التي تقدمها الجمعيات الزراعية للمزارع والفلاح، بالإضافة إلى تحديث قانون الزراعة رقم 53 لسنة 1966 ليتواكب مع المستجدات المحلية والإقليمية والدولية ويحقق طموحات المشتغلين بقطاع الزراعة.
وفيما يخص الأهداف الاستراتيجية لقطاع الصناعة في برنامج الإصلاحات الهيكلية، أوضح التقرير أنه من المستهدف استمرار نمو مؤشرات القطاع الصناعي من حيث زيادة مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تصل إلى 15% عام 2023/2024 مقابل 11.7% عام 2019/2020.
وفي السياق ذاته، من المستهدف كذلك، مضاعفة حصة الشركات الصغيرة والمتوسطة من إجمالي الصادرات لتصل إلى 20% عام 2024 مقارنة بـ 10% عام 2020، فضلاً عن زيادة نسبة المشتغلين بالقطاع لتتراوح ما بين 18% لـ 20% عام 2024 مقارنةً بـ 12.5% عام 2020، حيث من المستهدف توفير ما بين 400 لـ 460 ألف فرصة عمل سنوياً بالقطاع حتى 2024.
وأشار التقرير إلى أنه سيتم زيادة صادرات السلع الصناعية كمكون من إجمالي الصادرات بمعدل سنوي لا يقل عن 15% لزيادة تنافسية صادرات القطاع، وكذلك زيادة نصيب الصادرات الصناعية ذات المكون التكنولوجي المرتفع بمعدل لا يقل عن 20% سنوياً من صادرات القطاع، والمتوسط بمعدل لا يقل عن 10% سنوياً من صادرات القطاع.
وأورد التقرير سياسات الارتقاء بالإنتاج الصناعي، والمتمثلة في توطين وتعميق الصناعة بشكل يحفز نمو سلاسل التوريد المحلية وتعميق التشابكات بالقطاعات الأخرى كالنقل واللوجستيات، بالإضافة إلى زيادة القيمة المضافة للمنتجات المصنعة بما يسهم في الاندماج في مراحل أعلى من سلاسل القيمة العالمية والإقليمية والمنافسة في الأسواق الدولية.
وعلى صعيد متصل، استعرض التقرير السياسات الشاملة للإصلاح الهيكلي لقطاع الصناعة، والتي أبرزها مراجعة تكاليف الصناعة الاستثمارية والتشغيلية، وخفض تكلفة التمويل الناتجة عن رد ضريبة القيمة المضافة والجمارك على مدخلات الإنتاج عند إتمام التصدير.
وتتضمن هذه السياسات كذلك، تعظيم الاستفادة من الاتفاقات التجارية التي وقعت عليها مصر لتوفير سوق مناسب وتحفيز الطلب الداخلي والخارجي، إلى جانب التركيز على عدد من الصناعات المحددة وتهيئة سلاسل القيمة من قبل الدولة واجتذاب مستثمرين عالميين في تلك الصناعات.
وبالإضافة إلى ما سبق، سيتم ربط الخريطة الاستثمارية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة بتنافسية المحافظات لدعم ومساندة هذه المشروعات، وإعداد واعتماد استراتيجية كفاءة استخدام الطاقة في قطاع الصناعة لدعم التحول للاقتصاد الأخضر والمحافظة على الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية، وكذا الإسراع في وضع إطار تشريعي للتجارة الإلكترونية مع تطوير البنية المعلوماتية خاصة على مستوى المحافظات لتسهيل وتطوير حركة التجارة وإزالة القيود.
وبشأن الأهداف الاستراتيجية لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في برنامج الإصلاحات الهيكلية، أظهر التقرير زيادة مساهمة قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في الناتج المحلي الإجمالي، بنسبة 5% عام 2023/ 2024 مقابل 2.8% عام 2019/ 2020، وذلك مع الحفاظ على معدلات نمو مرتفعة للقطاع في حدود 16%، وتحسين ترتيب مصر طبقاً لمؤشر التعقيد التكنولوجي الصادر عن Oxford Insights لتحتل المركز 45 عام 2024، مقابل احتلالها المركز 55 عام 2020.
وأشار التقرير إلى أنه من المستهدف أن يتراوح معدل النمو السنوي لأعداد المتدربين في برامج وزارة الاتصالات وجهاتها التابعة لرفع إنتاجية القطاع إلى ما بين 20% لـ 25% ، بالإضافة إلى توفير ما بين 120 لـ 140 ألف فرصة عمل جديدة بحلول 2024.
يأتي هذا في حين يستهدف زيادة عدد الشركات الناشئة التابعة للقطاع بنسبة تتراوح ما بين 10% لـ 15%، وأن يبلغ حجم صادرات القطاع المستهدف نحو 8 مليار دولار عام 2024، من خلال زيادة حصة صادرات المنتجات الإلكترونية والأجهزة التكنولوجية الحديثة.
وتطرق التقرير إلى محاور استراتيجية وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في إطار البرنامج، والتي تشمل 3 محاور، الأول هو مشروعات التحول الرقمي وتتمثل في تطوير منظومة الحيازة الزراعية وإصدار الكارت الذكي للفلاح، وميكنة منظومة التأمين الصحي الشامل، والانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة كحكومة تشاركية لا ورقية ذكية، وإتاحة خدمات حكومية رقمية للمواطنين.
هذا ويتمثل المحور الثاني في بناء القدرات التكنولوجية للإنسان المصري، بينما يتمثل المحور الثالث في جذب الاستثمارات المحلية والعالمية للقطاع.
وأبرز التقرير عدداً من الشهادات الدولية على أن نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي قد حفز على إطلاق الإصلاحات الهيكلية، حيث أكد صندوق النقد الدولي على أن مكتسبات الاقتصاد المصري خلال سنوات برنامج الإصلاح الاقتصادي ساعدت على الصمود أمام أزمة كورونا والاستجابة بحزم دعم شاملة لاحتوائها.
كما أكد البنك الدولي أن الإصلاحات الاقتصادية في مصر ساهمت في استقرار الاقتصاد في السنوات الأخيرة، كما سمحت للبلاد بدخول أزمة كورونا بمستوى وافر نسبياً من الاحتياطيات الأجنبية، بينما علقت فيتش بأن الإصلاحات الهيكلية من شأنها إطلاق العنان لإمكانات اقتصادية هائلة غير مستغلة.
ومن جانبها ذكرت الإيكونوميست أن الإصلاحات الهيكلية التي يتم تنفيذها منذ 2016 قد مكنت الاقتصاد المصري من تسجيل فوائض أولية إلى جانب جذب ثقة المستثمرين وخفض تكاليف الاقتراض.
هذا وعلقت موديز بأن التنفيذ الفعال لإصلاحات بيئة الأعمال سيستمر بدعم إمكانات نمو الاقتصاد المصري وتحسين قدرته التنافسية، بينما توقعت ستاندرد آند بورز أن تشهد مصر معدلات نمو قوية على المدى المتوسط، مدعومة بالتنفيذ المستمر للإصلاحات المالية والاقتصادية.