هل تساءلت يومًا كيف يمكن للزراعة أن تكون عاملًا رئيسيًا في تحقيق الاستدامة الغذائية؟
الزراعة العثرية التي تستمد أسسها من الاستدامة البيئية والتنوع الحيوي، تقدم لنا الإجابة ولكني اجدك توقفت قليلاً لتتساءل : ما هي الزراعة العثرية ؟ والإجابة أنها طريقة زراعية ليست جديدة بل تعود جذورها إلى حضارات قديمة وازدهرت بشكل كبير في القرن العشرين كجزء من حركة الزراعة المستدامة، دعونا نستكشف معًا كيف تشكل الزراعة العثرية دعامة قوية لمستقبل غذائي مستدام.
عناصر الموضوع
ماهي الزراعة العثرية
الزراعة العثرية لغوياً تعني (على الثرى أي على التراب)، و هي نظام زراعي يعتمد بالأساس على مياه الأمطار، المعروفة عالميًا بـ “Rainfed agriculture” وتُسمى في المملكة العربية السعودية بـ “الزراعة البعلية”، و تتأثر هذه الزراعة بجودة وكمية الأمطار ومع الالتزام بمعايير محددة، يمكنها أن تُثمر إنتاجًا غزيرًا من المحاصيل البعلية.
تاريخ وأهمية الزراعة العثرية
تُعتبر هذه الزراعة من أقدم الطرق التي اعتمدها الإنسان، وهي ليست حكرًا على منطقة معينة، بل تُمارَس على نطاق واسع في العالم العربي بل وغير العربي مثل شرق آسيا وبعض الدول الأفريقية وأمريكا الجنوبية وغيرها كما تحمل أسماءً متعددة مثل: الزراعة المطرية، البعلية، الديمية، أو البورية.
تساهم الزراعة العثرية بنحو 60% من الإنتاج الغذائي العالمي، وقد اعتمدتها دول مثل بوركينا فاسو، كينيا، النيجر، وتنزانيا حيث تُفضّل هذه الدول هذا النوع من الزراعة عندما تكون أراضيها مُستقبلة لأمطار وفيرة وتمتلك موارد مائية طبيعية، مع اللجوء أحيانًا للري التكميلي كما تتمتع الزراعة العثرية أو البعلية بأهمية وفوائد عديدة، وإليك بعض من مزاياها:
– تعزيز الاستدامة: تساهم في الحفاظ على الموارد الطبيعية وتقليل الاعتماد على الري الاصطناعي.
– تقليل التكاليف: تخفض من تكاليف الزراعة بالاعتماد على مياه الأمطار بدلاً من الري المكلف.
– المحافظة على التربة: تقلل من خطر التعرية وتحافظ على خصوبة التربة بفضل الأساليب الطبيعية للزراعة.
– تنوع المحاصيل: تسمح بزراعة مجموعة متنوعة من المحاصيل التي تتكيف مع الظروف المناخية المحلية.
– مقاومة الجفاف: تعتبر الزراعة العثرية أكثر مقاومة للجفاف مقارنة بأنظمة الزراعة التقليدية.
– تحقيق الأمن الغذائي: تساهم في توفير الاكتفاء الذاتي من الغذاء للمجتمعات المحلية، خاصة في المناطق الجافة وشبه الجافة.
– الحد من الانبعاثات: تقلل من الانبعاثات الكربونية المرتبطة بالري والأسمدة الكيميائية.
– تعزيز التنوع البيولوجي: تحافظ على التنوع البيولوجي من خلال دعم النظم البيئية الطبيعية.
– المرونة الاقتصادية: توفر مصدر دخل مستدام للمزارعين في المناطق الريفية.
الأسماء المختلفة للزراعة العثرية
الزراعة العثرية، المعروفة أيضًا بالزراعة البعلية، لها عدة مسميات تختلف باختلاف المناطق واللغات، إليك بعض الأسماء المختلفة لها:
– الزراعة المطرية: تُستخدم هذه التسمية للإشارة إلى الزراعة التي تعتمد على مياه الأمطار فقط.
– الزراعة البعلية: مصطلح شائع في المملكة العربية السعودية وبعض الدول العربية.
– الزراعة الديمية: يُستخدم هذا المصطلح في بعض المناطق العربية، ويُشير إلى الزراعة التي تعتمد على الأمطار الشتوية.
– الزراعة البورية: تُستخدم في بعض الأحيان للدلالة على الزراعة دون استخدام الري الصناعي.
– Rainfed agriculture :هو المصطلح الإنجليزي الذي يُستخدم لوصف هذا النوع من الزراعة.
كل هذه المصطلحات تُشير إلى نظام زراعي يعتمد بشكل رئيسي على مياه الأمطار كمصدر للري، ويُعتبر من الأساليب المستدامة للزراعة.
تصنيفات الزراعة العثرية
تُقسم الزراعة المطرية إلى فئات متعددة بناءً على طبيعة الزراعة والأهداف المنشودة منها:
– الزراعة المطرية البدائية: تُركز على زراعة محاصيل بسيطة لتلبية احتياجات الأسر.
– الزراعة المطرية الكثيفة: تهدف لتأمين احتياجات الأسر من المحاصيل الأساسية كالأرز والخضراوات.
– الزراعة المطرية الواسعة: تستخدم تقنيات علمية وآلات حديثة لزيادة الكفاءة الإنتاجية.
– الزراعة المطرية المختلطة: تجمع بين الإنتاج الزراعي والحيواني لتحقيق توازن في النظام الزراعي.
أهم محاصيل الزراعة العثرية
تشمل المحاصيل البعلية تنوعًا كبيرًا، مثل:
– الحنطة: محصول حبوب رئيسي يتأقلم مع ظروف متنوعة.
– الشعير: ذو قيمة غذائية عالية وأهمية اقتصادية.
– الذرة الرفيعة والدخن: تُزرع للتغذية للإنسان والحيوان.
– العدس والسمسم والخروع وبذر الكتان والفستق: تُزرع لاستخدامات متعددة وتتميز بفوائد صحية واقتصادية.
شروط نجاح الزراعة العثرية
لضمان نجاح الزراعة العثرية، يجب مراعاة عدة شروط:
- حفظ المياه: تطوير تقنيات لتحسين استخدام المياه وتنظيم نظام فعال للري.
- الري التكميلي: تخزين المياه المتاحة لاستخدامها في الفترات الجافة، ودمج تقنيات الري التكميلي مع الري بالغمر.
- تنويع المحاصيل: زراعة محاصيل متنوعة تتناسب مع ظروف المنطقة وتتمتع بمقاومة للجفاف.
- التدابير الوقائية للجفاف: تحسين التربة وتنظيم ممارسات الري لاستخدام المياه بكفاءة.
ما مستقبل الزراعة العثرية
مع التغيرات المناخية المتزايدة، ستزداد أهمية الزراعة العثرية في المستقبل، ستُركز الأبحاث على تطوير تقنيات جديدة لتحسين كفاءة استخدام المياه، وتطوير أصناف محاصيل مقاومة للجفاف، مما يُساهم في ضمان استدامة هذه الطريقة الزراعية المهمة
أمثلة ناجحة للزراعة العثرية
الزراعة العثرية، أو ما يعرف بالزراعة المطرية، حققت نجاحات ملموسة في العديد من الدول حول العالم إليك بعض الأمثلة البارزة:
- الزراعة البعلية في السعودية:
تُعتبر الزراعة البعلية جزءًا من رؤية السعودية 2030، وتُمارَس في مناطق مثل الطائف والباحة وجازان وعسير، وتُسهم هذه الزراعة في تحقيق الاكتفاء الذاتي وتوفير فرص عمل، وتُعزز الاستدامة الزراعية واستخدام الموارد المحلية.
تم تنفيذ مشروع “الحقول الإرشادية للزراعة المطرية” لتعزيز تقنيات الزراعة العثرية، وقد استفاد منه أكثر من 700 مزارع، مما ساهم في تنويع الإنتاج الزراعي وتحقيق نجاح مستدام.
- الزراعة العثرية في الأردن
الأردن أيضًا يعتمد على الزراعة العثرية في بعض المناطق الريفية حيث نفذت مشاريع لتحسين تقنيات جمع المياه مثل: بناء السدود الصغيرة وإنشاء البرك لتجميع مياه الأمطار، وهذه المشاريع ساعدت المزارعين في زيادة إنتاجية محاصيلهم وتحسين سبل عيشهم، بالإضافة إلى ذلك تم تقديم دورات تدريبية للمزارعين حول أفضل الممارسات الزراعية والتقنيات الحديثة في الزراعة العثرية.
الزراعة العثرية في النيجر
النيجر واحدة من الدول الأفريقية التي تعتمد على الزراعة العثرية بشكل رئيسي، فتجد المزارعين في النيجر يستخدمون تقنيات تقليدية مثل زراعة “الزاي”، وهي حفر صغيرة تُزرع فيها البذور وتُجمع المياه حولها، هذه التقنية تساعد في تحسين احتباس المياه في التربة وزيادة إنتاجية المحاصيل علاوة على المبادرات المجتمعية مثل “إعادة التشجير” ساعدت في استعادة التربة المتدهورة وزيادة التنوع البيولوجي.
في نهاية المطاف ارجو ان تكون عرفة إجابة سؤال: ما هي الزراعة العثرية؟ هي طريقة زراعية مهمة ومستدامة، تُساهم في تأمين الغذاء والحفاظ على البيئة، ومع التغيرات المناخية المتزايدة ستزداد أهمية هذه الطريقة في المستقبل كما يُمكن تحسين كفاءة الزراعة العثرية من خلال تطوير تقنيات جديدة وتوفير الدعم للمزارعين.