دخلت عبارة غسل الأموال إلى اللغة العربية كترجمة للمصطلح الإنجليزي Money laundering ؛ وبالرغم من كون هذه العملية تعني إعطاء مشروعية لأموال غير قانونية (قذرة) اكتسبت من خلال الاقتصاد السري وضخها من خلال آليات معقدة في الاقتصاد الرسمي.
لكن نشأة هذا المصطلح تاريخياً لا علاقة له بمعني تنظيف الأموال بل كان السبب ورآءه هو أن أول عملية غسل أموال في التاريخ الاقتصادي المعاصر كانت عن طريق افتتاح زعيم المافيا الأشهر “آل كابوني” ألفونس كابوني؛ مجموعة مغاسل Laundromats بمدينة نيويورك.

آل كابوني
ومن هنا استقر استخدام هذا المصطلح ، كما أنتشر أيضاً مصطلح تبيض الأموال المستخدم في عدد من الدول كمقابل للمصطلح الفرنسي Blanchiment d’argent؛ والتي تعتبر عملية تجميلية لعملية انتاج الأموال غير المشروعة (السوداء أو القذرة) Noircissement d’argen.
وبصفة عامة فإن عملية غسل الأموال استمرت في التطور ولعبت عصابات الجريمة المنظمة لا سيما المافيا دوراً هاماً في ابتداع وتطوير أساليب غسل الأموال لا سيما من خلال Meyer Lansky والذي عرف بمحاسب العصابة Mob’s Accountant والذي طور مجموعة من منتديات القمار (نشاط مشروع بالولايات المتحدة وكوبا) لإعطاء مشروعية للأموال المكتسبة من الأنشطة الإجرامية وذلك في خمسينيات وستينيات القرن العشرين.
ويرتبط غسل الأموال بإنتاج الأموال غير النظيفة أو غير المشروعة من خلال الاقتصاد السري والذي يعرف بمجموعة الأنشطة غير المسجلة ضمن إطار الحسابات القومية وتستخدم تعبيرات الاقتصاد الخفي والموازي وغير النظامي لوصف تلك الأنشطة ، وحتى يمكن لأصحاب تلك الأموال استخدامها لابد من ضخها بشكل ما في الاقتصاد الرسمي لإعطائها صفة الشرعية حتي يتسنى استخدامها في العلن مع وجود مصدر قانوني (ملفق).
وتستخدم العديد من القطاعات الاقتصادية الرسمية أو المعلنة لتغطية مصادر تلك الأموال منها الصناعة والأنشطة التجارية والقطاع المصرفي والتأمين وإعادة التأمين.
وتركز هذه النشرة على مكافحة غسل الأموال في التأمين، أي كيفية استخدام صناعة وعقود التأمين كأداة لغسل الأموال وكيفية مكافحتها.
* تعريف غسل الأموال:
سوف نستعرض فيما يلي تعريفين لغسل الأموال أحدهما تعريف دولي والأخر هو تعريف المشرع المصري المشرع.
التعريف الأول حول اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1988 لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية (اتفاقية فيينا) بالمادة رقم (3) – ب : الجرائم والجزاءات.
بالرغم من ظهور هذا التعريف في إطار اتفاقية متخصصة إلا أنه أصبح التعريف الدولي المتفق عليه حيث تعرف الاتفاقية غسل الأموال بأنه:
– تحويل الأموال أو نقلها مع العلم بأنها مستمدة من أية جريمة أو جرائم منصوص عليها … أو من فعل من أفعال الاشتراك في مثل هذه الجريمة أو الجرائم، بهدف إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع للأموال أو قصد مساعدة أي شخص متورط في ارتكاب مثل هذه الجريمة أو الجرائم على الافلات من العواقب القانونية لأفعاله.
– إخفاء أو تمويه حقيقة الأموال، أو مصدرها، أو مكانها أو طريقة التصرف فيها أو حركتها أو الحقوق المتعلقة بها، أو ملكيتها، مع العلم بأنها مستمدة من جريمة أو جرائم منصوص عليها .. أو مستمدة من فعل من أفعال الاشتراك في مثل هذه الجريمة أو الجرائم.
– اكتساب أو حيازة أو استخدام الأموال مع العلم، وقت تسلمها بأنها مستمدة من جريمة أو جرائم منصوص عليها … أو مستمدة من فعل من أفعال الاشتراك في مثل هذه الجريمة أو الجرائم .
*تعريف المشرع المصري:
ما يعرف القانون المصرى رقم (80) لسنة 2002 بإصدار قانون مكافحة غسل الأموال المعدل بالقانون رقم (78) لسنة 2003 في مادته (أ) ، (ب) غسل الأموال بأنه:
“كل سلوك سينطوي علي اكتساب أموال أو حيازتها أو التصرف فيها أو إدارتها أو حفظها أو استبدالها أو أيداعها أو ضمانها أو استثمارها أو نقلها أو تحويلها أو التلاعب في قيمتها إذا كانت محصله من جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المادة (2) من هذا القانون مع العلم بذلك، من كان القصد من هذا السلطات إخفاء المال أو تمويه أو مصدره أو مكانه أو صاحبه أو صاحب الحق فيه أو تغيير حقيقته أو الحيلولة دون اكتشاف ذلك أو عرقله التوصل إلي شخص من أرتكب الجريمة المتحصل منها المال”.
وباستقراء التعاريف السابق يمكن القول بإن جريمة غسل الأموال ما هي إلا جريمة اعطاء طابع مشروع لأموال اكتسبت من جرائم وطمس مصدرها الحقيقي بحيث لا يمكن تتبعها .
* نماذج مراحل غسل الأموال:
– النموذج التقليدي:
تمر عملية غسل الأموال عادة بثلاثة مراحل وفقاً للنموذج التقليدي وهي:
المرحلة الأولى: مرحلة الإيداع Placement :
حيث يقوم أصحاب الدخول غير المشروعة بإيداع الحصيلة النقدية للأموال الناتجة عن أنشطتهم غير المشروعة في النظام المالي سواء داخل أم خارج البلاد .
المرحلة الثانية: مرحلة التعتيم layering :
ويقصد بها قيام أصحاب الأموال غير المشروعة بإجراء العديد من المعاملات المصرفية أو التأمينية أو كأنشاء الشركات الوهمية أو العقود المصطنعة على ودائعهم للفصل بين مصدرها الأصلي والحصيلة باستخدام إجراءات وعمليات مالية متعددة ومعقدة يترتب عليها الجهل والتعتيم على المصدر غير المشروع للأموال مع تدعيم ذلك بالمستندات التي تساعد على تضليل الجهات الرقابية أو الأمنية.
المرحلة الثالثة: مرحلة التكامل: ويقصد بها المرحلة التي يتحقق فيها اندماج الأموال غير المشروعة في النظام المالي للمشروع واختلاطها بالأموال المشروعة بحيث تبدو أموالاً مشروعة تماماً أو ناتجة عن أنشطة اقتصادية مشروعة.
* النموذج المطور:
أصبح النموذج التقليدي لعملية غسيل الأموال سهل التتبع من الجهات الرقابية والأمنية ومن ثم طور غاسلو الأموال نموذج أكثر تعقيداً و تشمل عملية غسل الأموال وفقاً للنموذج المطور الذي قدمه Stephen Plat أربعة أهداف:
– النجاح في ارتكاب جريمة
– تفادي اكتشاف الجريمة
– الاستفادة من الأموال غير المشروعة
– القدرة على الاحتفاظ بالأموال في العلن
وتنطوي عملية غسل الأموال وفقاً لهذا النموذج على ثلاث عمليات لقطع العلاقة بين عناصر الجريمة المختلفة بالتفصيل اللاحق:
1– المرحلة الأولى:
قطع العلاقة بين مرتكب الجريمة الأصلية والمجرم من خلال استخدام أسماء وهمية في العمليات غير المشروعة أو تأسيس شركات ورقية ووهمية وهمية shell companies، او شركات واجهة ، وتقدم العديد من دول الملاذ المالي Offshore آليات لامتلاك شركات و أنشطة دون ظهور الاسم الحقيقي للملاك.
2– المرحلة الثانية:
قطع العلاقة بين الأموال و الممتلكات والجريمة من خلال عمليات وهمية و معاملات مالية مصطنعة تستخدم فيها خدمات القطاع المالي المصرفية والتأمينية وعقود تجارة وهمية.
3– المرحلة الثالثة:
قطع العلاقة مرتكب الجريمة والأموال أو الممتلكات من خلال إعادة ضخ هذه الأموال إلي الاقتصاد الرسمي مرة أخري من خلال شركات واجهة أو أنشطة تجارية لا تظهر ملكيتها الحقيقة ثم يمكن نقلها بشكل رسمي مرة أخري لأصحابها الحقيقين
ويعرف هذا النموذج بنموذج التمكين، قطع العلاقة، التموية ‘enable, distance, and disguise’